أسامة داود يكتب : قطاع البترول يعود الي زمن الوسية !

أسامة داود

بعد حريق شركة سيدبك :
الوزارة تتهرب من مسئولية دفع التعويضات
أخيراً خرجت العقوبات الادارية والتأديبية ضد المتسببين في كارثة حريق سيدي كرير "سيدبك" وهي للأمانة عقوبات تتناسب من حيث المسئولية المباشرة مع الحادث ، لكن هناك من لم يعاقب ويبقي بعيدا عن المساءلة بينما هو مسئول عن جريمة الخلل وعن كل الجرائم المماثلة في القطاع .
انه المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية من جانب ورئيس الشركة القابضة للبتروكيماويات من جانب أخر بإعتبارهما المسئولين عن إختيار قيادات الشركات التابعة للقابضة بشكل مباشر ، وان كانت مسئولية رئيس القابضة هنا محدودة جدا ، وبالقدر الذي يوازي قبولة  لسيطرة الوزير علي الاختيارات وعدم منحه فرصة الاختيار للقيادات المناسبة ولو من باب المشورة !.
18 أسرة ضحايا المجزرة
ان الجريمة التي ارتكبت في شركة سيدي كرير ادت الي القضاء علي الامل لحوالي 18 اسرة لمهندسين وفنيين حيث قتل عدد 6 منهم فترملت زوجاتهم و تيتم أطفالهم وسكنت الحسرة قلوب ابائهم وامهاتهم .
بينما هناك 12 يعيشون وتعيش معهم اسرهم الم تشوهاتهم وعجزهم عن حتي القدرة علي القيام بخدمة أنفسهم ..
وأقول من المسئول هنا ؟ .
هل رئيس الشركة الذي تم اختياره لمهمة يعلم من اختاره انه غير اهل لها ؟
هل المسئول هم قيادات الصف الثالث والرابع من مديري العموم ومديري الادارات ورؤساء الاقسام الذين وجدوا أنفسهم رهن لحالة من السيولة والرحرحة بسبب قيادات الصف الاول الذين تم فرضهم علي المواقع الحساسة بالشركة ، وبقرارت فوقية لم يراعي فيها خطورة الموقع ؟ .
وقد يدهش البعض وأنا أقول ، انني لا الوم رئيس الشركة ، ولا المساعدين ، والمسئولين بعدهم ، لانهم وجدوا انفسهم مُختارين ايضا من جانب وزير لم يعرف بعد حجم المسئولية التي يجب ان توكل لكل قيادة ؟
وقد يسأل البعض ، ما علاقة الوزير بمسئوليات كل منهم ، هل هو مطالب بمتابعة كل مسئول في القطاع ؟
أجيب انا ومن خلال مسئولين كبار في القطاع عاصروا زمن وزراء سابقون - أكدوا أن الاختيارات لأي قيادات تأتي وفقا لترشيحات من رؤساء القابضة والهيئة  والشركات أيضا لكل المسئولين المطلوب ترقيتهم او اسناد مناصب لهم بمواقع قاربت علي الاخلاء . ويتم من فحص ملفاتهم جميعا ، ودراسة التقارير المقدمة عنهم وعمل مقابلات لكل منهم بواسطة لجنة علي مستوي الوزارة وبمشاركة من قاموا بترشيحهم وبناء عليها يتم الاختيار ، وهنا يكون كل مسئول مدعوم بتقارير و عمليات تقييم تبدأ من ماضيه الوظيفي وما يتضمنه ملفه من تقارير وأراء راصدة لكل ما اسند اليه من مسئوليات ونسب نجاحاته واخفاقاته ، وبالتالي يكون الاختيار علي اسس سليمة وبنسبة تقترب من 100% .
اما الان فلا ترشيحات ولكن وسايط ومحسوبيات ، وقبول شخصي واستظراف وخفة دم !! .
والنتيجة كما نري .. مزيدا من التفكك والسيولة في الادارة و عدم القدرة العديد من القيادات علي اتخاذ القرارات السليمة في الاوقات المناسبة ، ولن أقول للجميع .
ولكن سوف نقدم فيما بعد تقريرا وافيا عن أعمال وانجازات من تم الاطاحة بهم وعن فشل واخفاقات من تم تصعيدهم !.
و ليعلم الجميع ان الوزير منذ البداية كان يريد ان يتستر علي الجريمة ، وبالتالي قام بإسناد مهمة إعداد التقرير المبدئي لرئيس الشركة المُدان فيما بعد . ولولا ان وفق الله " طاقة نيوز " وجعلها سببا في الكشف عن وجود خلل في منظومة الشركة بسبب سوء الادارة لكان رئيس الشركة المُدان هو من يبحث عن كبش فداء لتقديمة وعلي طريقة وضع جرائم اصطدام القطارات واحتراقها في عنق المحولجي !.
حقوق الضحايا .. اين هي ؟
هناك جريمة أخري اشد وأنكي مما سبق ، وهي تخلي قطاع البترول عن دوره في علاج وصرف التعويضات المناسبة لاسر الضحايا ، فقد القي الوزير  وتابعيه منذ البداية بهؤلاء البؤساء في المستشفيات العامة ولم يتم النقل الي مستشفيات قادرة علي تقديم الخدمة العلاجية لهم بشكل جيد . والسبب انهم عمالة مقاول يعني من وجهة نظر الوزير - الذي تم تعينة في قطاع البترول في عام 2011 بالواسطة والمحسوبية وليس بالخبرة ولا المهارات – هم درجة ثالثة ، فهو لا يعرف في حياته حقوق البسطاء فألقي بالمصابين بحروق اهماله الي مستشفيات عامة . وهي مستشفيات تفتقد لأدني وسائل الخدمة الطبية بسبب محدودية ميزانيتها وهذا معروف للجميع .
نعم اتحدث عن مستشفيات لم تتعاقد وزراة البترول أو شركاتها مع واحدة منها لتقديم الخدمة للعاملين بها، وذلك لانهيار مستواها بينما القت فيها بمن اشتعلت نيران الفساد والاهمال في اجسادهم , وهم يصنعون لمصر دعائم في اقتصادها القومي .
اتحدث عن عمالة مقاولي الباطن التي تتعامل معهم وزارة البترول وشركاتها معاملة السادة مع العبيد ! .
نعم فهم ممن كتب عليهم ان يصنعوا المجد ليحصد نتاجه غيرهم لم يتقاضوا سوي يومية عن عمل يؤدونه في حالة من السخرة وبأقل عوامل الامان  بينما نتاج تلك الاعمال تتحول الي ملايين تدخل جيوب ابناء السادة المعينين بالواسطة والمحسوبية ومن قبلهم قيادات قطاع البترول .
زمن الوسية
هل تحول قطاع البترول من القطاعات التي يكون فيها الانسان انسانا بصرف النظر عن انه عامل يومية أو معين بالواسطة والمحسوبية ؟ هل هناك فارق بين مهندس متفوق يعمل باليومية لانه من فئة المكتوب عليهم الواجبات بلا حقوق ؟ وبين المهندس المعين بخطاب موقع من الرجل القوي بالوزارة ؟ .. هل نحن في زمن الوسية ؟، وأجيب من واقع الحال في القطاع نعم نحن في زمن الوسية .. سوف تجد الفارق بين العاملين في القطاع  وبين الذين كتب عليهم ان يكونوا هم دافعو فواتير الواجبات في وطن قررت وزارة البترول تجسيد رائعة الكاتب الكبيرخليل حسن خليل " الوسية " ! .
ولتتجسد أمامك شخصيات عمال التراحيل الذين يحرثون ويزرعون ويجنون بينما يعيشون علي الخبز الجاف ،والمش ، والبصل . هؤلاء في زمننا هذا هم عمال مقاولي الباطن في قطاع البترول ، وهم من يفنون حياتهم ويدفعونها ثمنا للأعمال الخطرة بينما يحيطهم كل اهمال وكانهم ليسوا بشرا !.
وأتسائل السنا في دولة عدل ؟
دولة يكون للمواطن فيها من الواجبات والحقوق ماللأخر ؟
اترك هذا السؤال ليجيب عنه كلٌ منا بما يري ويلمس ؟
ان تلك العمالة من الذين يئنون من الم يعتصرهم ، ساقهم حظهم العاثر في رحلة البحث عن رغيف الخبز الجاف ، الي أعمال تشبه السخرة بينما كان كل من بيدهم الامر يقبعون في كراسيهم الفاخرة يتسامرون في أتفه الامور تاركين الايدي الخشنة مع نيران اللحام وأمواج الغاز المتسرب في ظل خلل صنعه الاهمال من أصحاب الايدي الناعمة  لمنظومة بنيت من عرق الشعب الغلبان . منظومة يحصد ثمارها أبناء السادة بينما تكون نيرانها من حظ عمال التراحيل !.
لقد تحولت اجساد الغلابة في تلك المنظومة الي  وقود في ماكينة الاهمال ، والتسيب لتتفحم اجسادهم وهم يبدعون ويقيمون دعائم أقتصاد ، لا نري ثماره الا رفاهية ، في حياة المسئولين الذين تحولوا الي مفسدين . ليصدق فيهم قولة تعالي " وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا".
والان وبعد ان ترملت الزوجات وثكلت الامهات وتيتم الاطفال و تشوهت الوجوه وتجمدت الدماء في العروق  ليصبح الثمار الوحيدة التي جناها هؤلاء الفقراء البؤساء هي الموت والاعاقة ليعيش أسر 46 مهندس وفني وعامل من المصابين في الحريق كمدا وقهرا قبل ان يموتوا بإهمال السادة حرقا  .
ان أسر هؤلاء يعيشون حاليا بقلوب تملؤها الحسرة ، وعيون تذرف الدمع ونفوس اثقلها الهم والغم ، وبدلا من ان يكونوا في انتظار جنيهات اليومية التي يقتاتون ويتسترون بها ، فاذا بهم يتحولوا في رحلة من البحث عن وسيلة لعلاج ابنائهم  .